السبت، 14 يوليو 2018

اعظم الفتن

إن من أعظمِ الفتنِ : فِتنةُ منهج الغلُوِّ في تكفير المسلمين، دون إحكامٍ للقواعدِ الشرعيَّةِ الدقيقةِ. فتنةٌ زلَّت فيها أقدام، وضلَّت بها أفهام، قادَت إلى عواقِبَ وخيمةٍ، ومفاسِدَ جَمَّة،
قال تعالى:
﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[النساء: 94]

 وفي صحيح البخاري قال ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ومن رمَى مؤمنًا بكفرٍ، فهو كقتلِه.

إن مثلَ هذه المسائل المهمة الشائكةِ لا يجوزُ بأيِّ حالٍ أن يخُوضَ فيها إلا العلماءُ الراسخون، والأئمةُ المجتهدون، ووفقَ تشاوُرٍ جماعيٍّ بينهم، لا اجتهادٍ فرديٍّ، وفي مُحيط تحقيقٍ مُدَقَّقٍ، وتأصيلٍ مُتقَن، بعيدٍ عن كل هوًى وتعصُّب، وبمنأًى عن حماسةٍ مُتدفِّقةٍ، ورَدَّةِ فعلٍ بعاطفةٍ جيَّاشةٍ لا تحكُمُها أصولُ المنهجِ العلمي المُؤصَّل.
فبهذا المسلك – بإذن الله – تسلَمُ الأمةُ من منهج الإفراط والغلُوِّ والتفريط، وتسيرُ إلى ما أرادَ الله لها من وحدةٍ إسلامية، ورابطةٍ إيمانية تتحقَّقُ بها مصالحُ الدين والدنيا معًا.


يا شبابَ الإسلام:
أنتم زهرةُ الأمة اليانِعةُ، وثمرتُها الباسِقةُ، فكونوا على دِرايةٍ وكَيَاسة، وتيقَّنُوا بأنه إن عدَلتُم عن هذا المسلَك المُرتَضَى، فستبقَى الأمةُ لُقمةً سائِغةً في أيادِي الأعداء، يُحرِّكُون بينها الفتنَ، عن طريق اجتِهاداتٍ فرديةٍ خاطِئةٍ، تُحدِثُ ورَطَاتٍ عُظمى، وشُرُورٍ كبرى.
وهذا ما حذَّر منه – صلى الله عليه وسلم – في خُطبة الوداع، حين قال: «لا ترجِعُوا بعدي كفَّارًا يضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ».
ومن زاغَ عن المحجَّةِ النبوية التي بيَّنَها – صلى الله عليه وسلم – بقولِه: «من صلَّى صلاتَنا، واستقبَلَ قِبلتَنا، وأكَلَ ذبيحَتَنا، فهو المسلمُ الذي له ذِمَّةُ الله ورسوله»؛ رواه البخاري.

من زاغَ عن ذلك جاء بأحكامٍ جائرةٍ في الأمة، تؤُولُ إلى مفاسِدَ قد لا تُستدرَكُ آثارُها، ولذا تواتَرَت نُصوصُ العُلماء المُحقِّقين قديمًا وحديثًا في التحذير من تكفير المُعيَّن إلا ببُرهانٍ شرعيٍّ أوضحَ من شَمس النهار، ووَفقَ منظومةِ توفُّرِ شروطٍ وانتِفاء موانِع، حِمايةً لسِياجِ عِرض المسلم، في دينِه ونفسهِ ومالِه، قال – صلى الله عليه وسلم -: «أيُما امرئٍ قال لأخيِه: يا كافر، فقد باءَ بها أحدُهما، إن كان كما قال، وإلا رجَعَت عليه».

يقولُ الشوكانِيُّ – بعد تحذيره من الجرأة على تكفير أهل لا إله إلا الله -: “فإن هذه جِنايةٌ لا يعدِلُها جِناية، وجَراءةٌ لا تُماثِلُها جَراءةٌ”.
احذَرُوا من كل اجتهادٍ يُفرِّقُ الأمةَ وهي في وقتٍ تدعُو الضرورةُ على الاصطِفافِ على الوحيَين، والاتِّحادِ على البرِّ والتقوَى، لمُواجَهة تحدياتٍ ضخمةٍ، إن لم نكُن حذِرِين، فستأتِي على أخضَرِها ويابِسِها.

فعلى الجميعِ سُلوكُ طريق الصحابةِ الأتقِياء، وأن يستلهِمُوا الصلاحَ والفلاحَ من وصيَّة نبيِّهِم محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – في خُطبة الوداع؛ حيث قال: «وقد ترَكتُ فيكم ما إن تمسكتُم به لن تضِلُّوا بعدَه أبدًا: كتاب الله».

والواجِبُ أن تسرِي بيننا النصيحةُ الصادقةُ المُخلِصةُ، والمُحاوَرةُ الهادِئةُ الجميلةُ، المُعطَّرةُ بالأدب الرفيعِ والخُلُق الجَميل، وَفقَ المنهج النبويِّ الذي يقومُ على معانِي الإنصاف والعدل، والرحمة والإحسان، وفي إطار الحُجَّة والبُرهان، بالأصولِ العلميةِ المُؤصَّلة، – كما قال صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النَّصيحة»، قالها ثلاثًا. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق